الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{واصطنعتك لِنَفْسِي} الاصطناع: اتخاذ الصنعة، وهي الخير تسديه إلى إنسان، والمعنى: اصطنعتك لوحيي ورسالتي لتتصرّف على إرادتي.قال الزجاج: تأويله اخترتك لإقامة حجتي، وجعلتك بيني وبين خلقي، وصرت بالتبليغ عني بالمنزلة التي أكون أنا بها لو خاطبتهم واحتججت عليهم.قيل: وهو تمثيل لما خوّله الله سبحانه من الكرامة العظمى بتقريب الملك لبعض خواصه.{اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ} أي وليذهب أخوك، وهو كلام مستأنف مسوق لبيان ما هو المقصود من الاصطناع، ومعنى {بآياتي}: بمعجزاتي التي جعلتها لك آية، وهي التسع الآيات.{وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي} أي لا تضعفا ولا تفترا، يقال: ونى يني ونيًا: إذا ضعف.قال الشاعر:
وقال امرؤ القيس: قال الفراء: في ذكري وعن ذكري سواء، والمعنى: لا تقصرا عن ذكري بالإحسان إليكما، والإنعام عليكما وذكر النعمة شكرها.وقيل: معنى {لا تنيا}: لا تبطئا في تبليغ الرسالة، وفي قراءة ابن مسعود {لا تَنِيَا فِي ذِكْرِي}.{اذهبا إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} هذا أمر لهما جميعًا بالذهاب، وموسى حاضر وهارون غائب تغليبًا لموسى؛ لأنه الأصل في أداء الرسالة، وعلل الأمر بالذهاب بقوله: {إِنَّهُ طغى} أي جاوز الحدّ في الكفر والتمرّد، وخص موسى وحده بالأمر بالذهاب فيما تقدّم، وجمعهما هنا تشريفًا لموسى بإفراده، وتأكيدًا للأمر بالذهاب بالتكرير.وقيل: إن في هذا دليلًا على أنه لا يكفي ذهاب أحدهما.وقيل الأوّل: أمر لموسى بالذهاب إلى كل الناس، والثاني: أمر لهما بالذهاب إلى فرعون.ثم مرهما سبحانه بإلانة القول له لما في ذلك من التأثير في الإجابة، فإن التخشين بادىء ذي بدء يكون من أعظم أسباب النفور والتصلب في الكفر، والقول اللين: هو الذي لا خشونة فيه، يقال: لان الشيء يلين لينًا، والمراد: تركهما للتعنيف، كقولهما: {هَل لَّكَ إلى أَن تزكى} [النازعات: 18].وقيل: القول اللين هو الكنية له، وقيل: أن يعداه بنعيم الدنيا إن أجاب، ثم علل الأمر بإلانة القول له بقوله: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} أي باشرا ذلك مباشرة من يرجو ويطمع، فالرجاء راجع إليهما كما قاله جماعة من النحويين: سيبويه وغيره.وقد تقدّم تحقيقه في غير موضع قال الزجاج: لَعَلَّ لفظة طمع وترج، فخاطبهم بما يعقلون.وقيل: لعلّ ها هنا بمعنى الاستفهام.والمعنى: فانظرا هل يتذكر أو يخشى؟ وقيل: بمعنى كي.والتذكر: النظر فيما بلغاه من الذكر وإمعان الفكر فيه حتى يكون ذلك سببًا في الإجابة، والخشية هي خشية عقاب الله الموعود به على لسانهما، وكلمة {أو} لمنع الخلوّ دون الجمع.وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في قوله: {فاقذفيه فِي اليم} قال: هو النيل.وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مّنّي} قال: كان كل من رآه ألقيت عليه منه محبته.وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل قال: حببتك إلى عبادي.وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني في قوله: {وَلِتُصْنَعَ على عَيْنِي} قال: تربى بعين الله.وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: لتغذى على عيني.وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال: يقول أنت بعيني، إذ جعلتك أمك في التابوت، ثم في البحر، وإذ تمشي أختك.وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والخطيب عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ» يقول الله سبحانه: {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فنجيناك مِنَ الغم} قال: من قتل النفس {وفتناك فُتُونًا} قال: أخلصناك إخلاصًا.وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وفتناك فُتُونًا} قال: ابتليناك ابتلاءً.وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه قال: اختبرناك اختبارًا.وقد أخرج عبد بن حميد، والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أثرًا طويلًا في تفسير الآية، فمن أحبّ استيفاء ذلك فلينظره في كتاب التفسير من سنن النسائي.وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {ثُمَّ جِئْتَ على قَدَرٍ} قال: لميقات.وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد وقتادة {على قَدَرٍ} قال: موعد.وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وَلاَ تَنِيَا} قال: لا تبطئا.وأخرج ابن أبي حاتم عن عليّ في قوله: {قَوْلًا لَّيّنًا} قال: كنَّه.وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال: كنياه.وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} قال: هل يتذكر؟. اهـ.
|